Saturday, August 23, 2014

قناة السويس الجديدة: مغامرة قومية لكنها فرصة استثمارية

تعتبر قناة السويس من أهم الممرات الملاحية فى العالم، حيث يمر من خلالها عشر التجارة العالمية، لكنها على الرغم من ذلك لا تدر إلا ٥ مليارات دولار سنويا. ولذلك فتطوير القناة والإقليم المحيط بها يعتبر أمرا بديهيا. وقد تم الإعلان مؤخرا عن بدء مشروع توسيع وتعميق القناة الحالية وكذلك حفر تفريعة جديدة فيما يعرف بمشروع «قناة السويس الجديدة»، والذى من المفترض أن يكون خطوة تمهيدية لتطوير كامل الإقليم. ومن الضرورى النظر للمشروع من زاويتين منفصلتين: الأولى مرتبطة بتقييم المشروع وأثره الكلى، بينما الثانية تتعلق بتحليل جاذبية شهادات الاستثمار المقترحة.

على الصعيد الكلى، هناك علامات استفهام كبيرة حول المشروع وجوانبه المختلفة مما يجعله أشبه ما يكون بمغامرة قومية. ويمكن تحديد ثلاثة جوانب للقلق:
الأول: الجدوى الاقتصادية: تم التصريح بأن المشروع سيضاعف طاقة القناة لاستيعاب السفن العابرة وسيمكن من استقبال أنواع سفن لم تكن تستطيع المرور سابقا، مما يؤدى إلى مضاعفة عدد السفن المارة وزيادة الإيرادات إلى ١٣ مليار دولار فى غضون ٤-٥ سنوات. وبالتأكيد سيؤدى لتعميق وتوسيع القناة الحالية للسماح بمرور سفن ذات مواصفات جديدة على القناة، كما أن شق التفريعة الجديدة سيؤدى إلى تقليل زمن الرحلة مما قد يساعد على رفع رسوم المرور بعض الشىء، لكن من غير المتوقع أن يكون لذلك أثر كبير. كما أنه من الصعب مضاعفة عدد السفن العابرة بمجرد شق تفريعة جديدة لأن عدد السفن العابرة مرتبط بحجم التجارة العالمية فى الأساس والذى لا يتوقع أن يتضاعف فى عدة سنوات.
الثانى: زمن وتكلفة المشروع: كان من المفترض أن يتطلب المشروع خمس سنوات للتنفيذ وقام فريق المشروع بضغطه لثلاث سنوات لكن تم التأكيد على إتمامه فى سنة واحدة يوم إطلاق المشروع. وهذا الضغط الرهيب لفترة التنفيذ يضع علامات استفهام كبيرة حول إمكانية الالتزام بهذا الجدول الزمنى الطموح، كما أنه من المتوقع أن يؤدى إلى زيادة التكلفة النهائية للمشروع مقارنة بالميزانية المبدئية البالغة قرابة ٨ مليارات دولار (٦٠ مليار جنيه) وهو رقم قد يظهر محدودا لكنه يقارب إجمالى الاستثمار الحكومى فى العام المالى الجديد، ولذلك فسوء تقدير تكلفة مثل هذا المشروع قد يكون كارثيا.
الثالث: تمويل المشروع: سيتم تمويل المشروع من خلال شهادات استثمار ستصدرها أربعة بنوك حكومية بالنيابة عن هيئة قناة السويس تستهدف جمع ٦٠ مليار جنيه من الأفراد والمؤسسات المصرية. لكن النظر للاكتتابات السابقة يشير إلى أن شراء الأفراد من المتوقع أن يمثل الجزء الأصغر فى تغطية المبلغ المطلوب. ولذلك سيكون على البنوك المحلية، خاصة الحكومية، تغطية الجزء الأكبر من الشهادات المطروحة. وهذا الهيكل التمويلى سيكون له أثر سلبى على القطاع المصرفى، والذى بلغ إجمالى أصوله ١.٨ تريليونات جنيه يتم توظيف ٧٦٪ منها فى سندات حكومية وتمويل عملاء فى مارس ٢٠١٤، حيث يتوقع أن يقوم الأفراد الراغبون فى شراء الشهادات بفك ودائعهم لدى البنوك مما يؤثر على أصول القطاع، كما أن شراء البنوك للشهادات سيخفض من سيولة القطاع.

لكن على الرغم من كونها مغامرة قومية إلا أن شهادات الاستثمار المقترحة قد تكون فرصة استثمارية جيدة للأفراد لعدة أسباب:
الأول: أداة التمويل: شهادات الاستثمار ستكون مديونية على هيئة قناة السويس ويجب رد قيمتها بصرف النظر عن أداء المشروع الجديد. ولذلك فإن حاملى الشهادات سيتم حمايتهم من خطورة المغامرة والتى ستتحملها بالكامل هيئة قناة السويس والحكومة بالتبعية.
الثانى: الضمان: تبلغ عوائد قناة السويس حاليا ٥ مليارات دولار سنويا وهذا الدخل يعطى الهيئة القدرة على سداد أرباح الشهادات بشكل سلس وكذلك رد قيمة الشهادات فى نهاية المدة أو إعادة تمويلها بأشكال أخرى. كما أن الحكومة أعلنت أنها ستضمن هذه الشهادات فى حالة تعثر الهيئة مما يزيد من الضمانات للمستثمرين.
الثالث: العائد: من المفترض أن تكون الشهادات لخمس سنوات بعائد صافى ١٢٪ على الجنيه ويتم توزيعه ربع سنويا. وهذا العائد أعلى من فائدة ودائع البنوك لنفس المدة والتى تبلغ ٩ــ١٠٪ فى أغلب البنوك خاصة الحكومية وهناك تفسير لذلك. فالحكومة تقوم دوريا بتمويل احتياجاتها المالية بإصدار سندات تبلغ فائدتها الإجمالية ١٤ــ١٥٪ لنفس المدة (١٢٪ بعد الضرائب) وتقوم البنوك بشرائها، مستخدمة الودائع لديها وتحقيق ربح يقارب ٣٪ (الفارق بين صافى فائدة السندات وفائدة الودائع). لكن هيئة قناة السويس ستطرح شهادات استثمار معفاة من الضرائب لاكتتاب الأفراد وبذلك تحقق مكسبا متبادلا، فتقترض الهيئة بأقل من فائدة السندات ويحصل الأفراد على عائد أعلى من فائدة الودائع وهو ما يفسر عائد الشهادات المرتفع. ويظل عائد الشهادات مساويا لصافى فائدة السندات مما يسمح للبنوك بتحقيق نفس الربح على شرائها للشهادات والذى لا مفر منه بالنسبة للبنوك الحكومية.

الخلاصة أن مشروع قناة السويس الجديدة تشوبه علامات استفهام كبيرة مما يجعله مغامرة قومية من الصعب التكهن بنتائجها الآن، لكن على الرغم من ذلك فإن شهادات الاستثمار المقترحة لتمويل المشروع قد تكون فرصة استثمارية جيدة للباحثين عن استثمار آمن وثابت العائد. ويظل المشروع فى حاجة لإعادة نظر متأنية لضمان أن تكون القناة الجديدة «سد عالى» جديدا وليست «توشكى» جديدة.


عمر الشنيطى
23 -  أغسطس - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق" و "موقع CNN  بالعربية" وموقع "عين العقل"

Saturday, August 9, 2014

الدعم الخليجى.. هل يُخرج الاقتصاد من الركود؟

تعول الحكومة على الدعم الخليجى لإخراج الاقتصاد من الركود وهو ما يمثل الحل الأمثل، شريطة أن يكون الدعم كبيرا بما يكفى وأن يتم ضخه بشكل سريع وفعال. قامت السعودية والإمارات والكويت بتقديم مساعدات تناهز ٢٠ مليار دولار عقب ٣٠ يونيو، تشمل منحا ومواد بترولية وقروضا ميسرة. وتم بالفعل استخدام ١١٧ مليار جنيه العام الماضى من هذه المنح، بالإضافة لوديعة حرب الخليج التى كانت لدى البنك المركزى منذ التسعينات، كما تم إدراج ٢٣ مليار جنيه فى موازنة العام الجديد. وكان لهذا الدعم أثر كبير فى المحافظة على قيمة الجنيه وإنقاذ الاقتصاد من الانكماش لكنه لم يخرجه من الركود.

وقد أعلنت السعودية والإمارات استمرارهما فى دعم مصر شريطة البدء فى إصلاح اقتصادى مستدام، وقامت حكومة أبوظبى بالاستعانة بشركتين للاستشارات الإدارية والمالية لتحليل الوضع. وبناء على دراستيهما، فعلى مصر تبنى برنامج لإعادة هيكلة الاقتصاد برفع الدعم والسيطرة على عجز الموازنة والدين العام وهو ما تبنته الحكومة الجديدة، بالإضافة إلى العمل على زيادة التدفقات المالية الخارجية والتى ينبغى أن تصل لحوالى ١٢٠ مليار دولار على مدى الأربع سنوات القادمة، للحفاظ على قيمة الجنيه وتحقيق معدل نمو ٥٪ للخروج من الركود خاصة مع تراجع الاستثمار الحكومى فى الموازنة الجديدة.

ومن المتوقع أن يقوم صندوق النقد بتمويل مصر بعد رفع أسعار الطاقة والذى يؤكد العزم على تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادى جذرى رغم تكلفته السياسية والاجتماعية. كما يفترض أن يصاحب ذلك قروض ميسرة من بنوك تنموية أخرى بالإضافة لقروض محدودة من دول الخليج الداعمة بحيث تصل إجمالى القروض لقرابة ٢٠ مليار دولار.

ويأتى دور الاستثمارت الأجنبية والتى يجب أن تصل لحوالى ١٠٠ مليار دولار للنهوض بالاقتصاد. ولعل التصور أن تقوم الشركات الأوروبية والأمريكية باستثمار نصف المبلغ، بينما تتكفل دول الخليج الداعمة بالنصف الآخر. لكن هناك إشكاليتين فى ما يخص الاستثمارت الغربية. الأول أن الاستثمارت الغربية مثلت ما يزيد على ٨٠٪ من إجمالى الاستثمارت الأجنبية البالغة قرابة ٥٠ مليار دولار خلال فترة ٢٠٠٢-٢٠١١، لكنها تراجعت بشدة منذ الثورة ومن المتوقع أن تظل على موقفها الحالى لعدة سنوات بسبب الوضع الملتهب فى المنطقة. وقد يطمئن تمويل صندوق النقد هذه الشركات ويثنيها عن الانسحاب من السوق المصرىة وربما يدفعها لاستكمال استثمارات تم البدء بها سابقا، لكنه من غير المتوقع أن يدفعها للتوسع فى الاستثمار على المدى القصير وربما المتوسط. الثانى أن ثلثى الاستثمارات الأجنبية كانت فى قطاع البترول والذى مر بأزمة كبيرة بعد الثورة بسبب تأخر مستحقات الشركات الأجنبية لدى الحكومة مما أدى إلى تراجع العديد من هذه الشركات عن التوسع فى مصر ودفع بعضها إلى الانسحاب من السوق. وبعد اتفاق الهيئة العامة للبترول بجدولة المديونية المتراكمة، فإن أقصى ما يمكن أن نتنمناه هو أن تعيد هذه الشركات استثمار جزء من مستحقاتها حال تحصيلها.

ويأتى هنا دور الاستثمارات الخليجية حيث يجرى الحديث عن إجمالى استثمارات بحوالى ٥٠ مليار دولار سيتم الإعلان عنها فى المؤتمر الاقتصادى لدعم مصر والذى تم تأخيره لنهاية العام. لكن هناك عدة ملاحظات على ذلك:
أولا: المشروعات المتوقعة أغلبها كبيرة وطويلة الأجل سواء فى قطاعات الطاقة أو البنية التحتية. وتطوير هذه المشروعات من دراسات جدوى وتراخيص وتمويل واختيار المقاولين قد يتطلب بين ٦ أشهر إلى عام فى أحسن الأحوال ولذلك فإنشاء أغلب هذه المشروعات لن يبدأ إلا فى العام المالى القادم، كما أن مرحلة الإنشاء تستلزم وقتا طويلا قد يتخطى ٣ سنوات ومن المعتاد أن يتم تنفيذ مثل هذه المشروعات على فترات أطول من المخطط لها.
ثانيا: من غير المتوقع أن تقدم الشركات الخليجية الخاصة على الاستثمار نظرا لارتفاع المخاطرة لكن ستتصدر المؤسسات السيادية المشهد. وعلى الرغم من الطبيعة السياسية لهذه الاستثمارت فإنها ستستهدف معدلات ربحية مرتفعة لتعويض المخاطر خاصة أن الحكومة المصرية ستكون على الأغلب طرفا فى هذه المشروعات كمشترٍ نهائى وهو ما سيتطلب ضمانات للمستثمرين قد تؤخر بدء بعض المشروعات.
ثالثا: عادة ما يأتى ثلثا تمويل مثل هذه المشروعات من وكالات ائتمان الصادرات للدول التى اختيرت شركاتها لإنشاء المشروعات. ومن المتوقع أن تكون الوكالات الغربية متحفظة على التمويل، ولذلك سيكون التوجه للشركات الآسيوية خاصة الصينية. وبصرف النظر عن استعداد الوكالات الآسيوية لتمويل هذا الحجم من المشروعات إلا أن الاعتماد على هذا الشكل التمويلى سيحد من تأثير الاستثمارات على الاقتصاد لأن الجزء الأكبر منها سيذهب للشركات الأجنبية التى سيتم اختيارها كمقاولين عموم للمشروعات. أما ما تبقى من رأس مال، فيتم تمويله من خلال الديون المحلية والمستثمرين ومن المفترض ألا تكون هناك عوائق فى كلتا الحالتين.

الخلاصة أنه من المتوقع أن تكون الاستثمارات الخليجية أقل مما تم الترويج لها سابقا وأن يتم تنفيذها على فترة زمنية أطول من المخطط لها وأن يكون أثرها على الاقتصاد أقل مما تعول عليه الحكومة. وعلى الرغم من أهمية الدعم الخليجى فإن أقصى آمال الحكومة منه قد تكون الانخفاض التدريجى للجنيه دون انهياره واستمرار حالة الركود وتباطؤ النمو دون الدخول فى غياهب الانكماش.



عمر الشنيطى
9 - أغسطس - 2014
نُشر هذا المقال فى "جريدة الشروق"